top of page
بحث
صورة الكاتبAiman Omer || أيمن عمر

الروبوت: ما بين الحقيقة و الخيال



عندما تسمع كلمة روبوت، ماذا يتبادر إلى ذهنك؟ هل تتخيل آلة في شكل إنسان تقوم بأعمال التنظيف وتحضير الطعام في المنزل؟ أما عربة متحركة بشكل ذاتي توصل الطلبات إلى المنازل؟ أما تلك الأذرع الآلية التي تعمل في مصانع السيارات؟ يستخدم مصطلح الروبوت على نطاق واسع في أفلام الخيال العلمي، للإشارة إلى آلات متطورة على هيئة البشر. ليس هذا فحسب ، فالكثير من التقارير الاقتصادية التي تحذر من ارتفاع معدلات البطالة ، تشير إلى مجموعة من التقنيات تحت مسمى الروبوتات كأحد مسببات إرتفاع معدلات البطالة. ليس من السهل أن نحدد بدقة ما هي الأجهزة أو التقنيات التي تندرج تحت كلمة روبوت. مما سوف يطرح تسأل عما ما هي الروبوتات ، و هل هي خطر علينا أم هي آلات مفيدة يمكن أن تسهل حياتنا.


إذا قمنا بالبحث عن تعريف الروبوت ، فسوف نجد العديد من التعريفات لكلمة روبوت.

الروبوت عبارة عن ذراع آلي ذو وظائف متعددة ، قابل للبرمجة و مصمم لنقل المواد أو قطع أو الأدوات أو الأجهزة المتخصصة من خلال حركات مبرمجة متغيرة لأداء مجموعة متنوعة من المهام.

تعريف: معهد الروبوتات الأمريكي (1979)

 

آلة قادرة على تنفيذ سلسلة معقدة من الأعمال أو الأفعال بشكل تلقائيًا.

قاموس أكسفورد

 

جهاز آلي يؤدي وظائف تُنسب عادةً إلى البشر أو آلة في شكل إنسان.

قاموس ويبستر

 

هذه بعض التعريفات الأكثر إنشاراً للتعريف بمصطلح الروبوت. و إذا قمنا بسأل بعض من علماء الروبوتات عن تعريف الروبوت، فقد يكون لكل واحد منهم تعريفه الخاصة للروبوت.


بالنظر إلى هذه التعريفات المذكورة في الأعلى، على إختلاف ما تقدم من وصف للروبوت، نجد أنها تشيير ببساطة إلى الروبوت على أنه جهاز يمكنه أداء مهمة مثل الإنسان. هذا هو الانطباع العام عن الروبوتات ، حيث يعتقد الكثير من الناس أن الروبوتات هي آلات يمكنها أن تحل محل البشر وتأخذ وظائفهم. و هذا الاعتقاد قد عززه الكثير من الأبحاث والتقارير التي تربط ما بين ارتفاع معدلات البطالة و تطوير الروبوتات. أحد الأمثلة التي أود الإشارة إليها ، كتاب "صعود الروبوتات: التكنولوجيا وتهديد مستقبل البطالة" للكاتب مارتن فورد. حيث ويحذر الكاتب في هذا الكتاب من إختفاء العديد من الوظائف بسبب إستخدام التكنولوجيا المتطورة في العديد من المجالات. معظم التقنيات المذكورة في الكتاب تتعلق بالتطبيقات الرقمية وتقنيات الإتصالات ، و التي لا تعتبر من أنواع الروبوتات حسب ما يأكده أي مهندس أو باحث في مجال الروبوتات. فلماذا يوجد خلاف واسع حول تعريف الروبوتات؟


لفهم هذا الأمر بشكل أفضل، يجب علينا العودة إلى التاريخ والبحث عن أصل مصطلح الروبوت. ظهر مصطلح الروبوت لأول مرة في مسرحية R.U.R. (روبوتات روسوم العالمية) عام 1920، للكاتب التشيكي كاريل تشابيك. كلمة روبوت في الأصل هي من اللغة التشيكية وتعني العمل القسري. في المسرحية قام بعض الممثلين بأدوار رجال آليين أطلق عليهم اسم الروبوتات (كما يظهر في الصورة). ألهمت هذه المسرحية العديد من قصص وأفلام الخيال العلمي التي تتحدث عن الآلات التي تبدو وتتصرف مثل البشر. ومن القصص الشهيرة عن الروبوتات رواية I Robot "أنا روبوت" التي كتبها إسحاق أشيمو عام 1942. وقد إبتكر إسحاق أشيمو مصطلح روبوتكس Robotics وقوانين الروبوتات الثلاثة في روايته.


ظلت الروبوتات محصورة على قصص الخيال العلمي إلى عام 1954، حيث شهد العالم ميلاد أول روبوت على أرض الواقع. الروبوت UNIMATE "يوناميت" هو أول روبوت تم إختراعه ، و الذي كان على هيئة ذراع آلي يمكن برمجته لإلتقاط قطعة و نقلها من موقع إلى اخر. تم إستخدام هذا الروبوت في الصناعة ، حيث تم تركيب وحدة من هذا الروبوت في إحدى مصانع شركة جنرال موتورز في نيوجيرسي عام 1961. لم يكن الروبوت "يوناميت" شبيهاً بالروبوتات التي كانت تظهر في أفلام الخيال العلمي ، حيث لم يكن أكثر من مجرد ذراع مكانيكي ذو تصميم مبسط ، و لم يكن له لا رأس أو أرجل. لم يستمر الأمر كثير إلى أن ظهر شكل جديد من الروبوتات. في عام 1969 قام معهد ستانفورد للأبحاث (المعروف الآن باسم SRI International) بتطوير الروبوت شاكي Shakey، وهو عبارة عن روبوت متحرك على عجلات قادر على التعرف على المناطق المحيطة به باستخدام كاميرا و نظام تحليل للصور. على عكس يوناميت، لم يكن لدى شاكي ذراع لالتقاط الأشياء ، لكنه كان أشبه بمركبة تتحرك بالعجلات.


شهد عالم الروبوتات نقطة مهمة في عام 1973، حيث قام البروفيسور إيشيرو كاتو من جامعة واسيدا بطوكيو بتطوير الروبوت وابوت WABOT. كان وابوت عبارة عن روبوت بشري يشبه الروبوتات التي تم تقديمها في أفلام الخيال العلمي ، حيث يستطيع الروبوت المشي بساقيه، وإمساك الأشياء بيديه، والمخاطبة باللغة اليابانية. وعلى الرغم من أن هذا الروبوت لم يتم إستخدامه لأداء مهام عملية ، إلا أنه ساعد على فتح الطريق للقيام بالعديد من الأبحاث العلمية في مجال الروبوتات.


اليوم يتم إستخدام الروبوتات في العديد من القطاعات المختلفة. و تعتبر الصناعة من أكبر القطاعات التي يتم فيها إستخدام الروبوتات ، حيث بدأ إستخدامها في الصناعة منذ أكثر من 60 عاماً. وفقاً لآخر البيانات الصادرة عن الاتحاد الدولي للروبوتات، هناك أكثر من 3.9 مليون روبوت تعمل في العديد من المصانع حول العالم ، حيث يعمل أكثر من نصف هذا العدد في صناعات السيارات والإلكترونيات. شهدنا في السنوات الأخيرة إدخال الروبوتات في العديد من القطاعات غير الصناعية ، حيث شهد القطاع اللوجستي تطوراً كبيراً في تقنيات الروبوت المستخدمة خلال العقد الماضي. يمكن أن نجد اليوم روبوتات تعمل في المستودعات ، لنقل الصناديق و فرز و توزيع المنتجات. و قد كان لجائحة كوفيد-19 أثر كبير على تطوير و إستخدام الروبوتات ، حيث زاد إستخدام الروبوتات للقيام باعمال توصيل الطلبات داخل المطاعم و المقاهي. و بالإضافة إلى ذلك ، تشهد بعض القطاعات أخرى مثل الرعاية الصحية والزراعة تطور كبير في إستخدام تكنولوجيا الروبوتات لأداء العديد من المهام المختلفة.


ومع تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي و المستشعرات الحديثة و المقدرات الحسابية السريعة؛ أصبحت الروبوتات أكثر قدرة على أداء العديد من المهام التي كانت تعتبر مستحيلة إلى وقت قريب. فقد شهدنا مؤخراً تقديم العديد من العروض للروبوتات الشبيهة بالبشر من بعض الشركات. هذه الروبوتات يمكنها المشي والتعامل مع الأشياء والتواصل مع الأشخاص ؛ بطريقة لم نشاهدها من قبل إلا في أفلام الخيال العلمي. ولكن بالرغم من هذه التطورات التكنولوجية الهائل في مجال الروبوتات ، إلا أننا لا نزال نواجه الكثير من التحديات. حيث قد يستغرق الأمر سنوات و ربما عقوداً قبل أن نرى هذه الروبوتات تعمل حولنا كما صورتها لنا أفلام الخيال العلمي.


بالنظر إلى تاريخ تطوير الروبوتات، يمكننا أن نرى أن قصص الخيال العلمي هي المحرك الرئيسي لتطوير الروبوتات. على مدى عقود، ساهمت أفلام الخيال العلمي في تشكيل صورة الروبوتات في أذهان الناس. عندما يفكر الناس في الروبوتات، فإنهم يفكرون في آلات ذات تكنولوجيا متطورة يمكنها أن تحل محل الإنسان. وحتى إذا نظرنا للأمر من وجهة نظر علمي، نجد العديد من الباحثين يستخدمون مصطلح الروبوت للإشارة إلى أي جهاز أو تقنية يمكنها القيام بأي مهمة يقوم بها الإنسان. ساهم كل هذا في خلق الانطباع بأن الروبوتات تشكل خطراً كبيراً على البشرية. يعتقد الكثير من الناس أن الروبوتات سوف تتمكن من السيطرة على العالم يوماً ما، على الرغم من احتمالية خروج الذكاء الاصطناعي عن نطاق السيطرة، إلا أنه سوف يكون من المستحيل أن تسيطر الروبوتات على العالم كما ظهر في أفلام ذا ترمنايتور Terminator.


من خلال ما سبق، يمكننا أن نرى أن هناك فجوة كبيرة ما بين حقيقة الروبوتات وما بين الصورة العامة و الإنطباع السائد عنها. إن المعرفة غير الدقيقة عن الروبوتات والخلاف حول تعريفها خلق العديد من المشاكل ، التي قد تواجه مهندسي الروبوتات بشكل خاص. يمكننا تلخيص هذه المشاكل في النقطتين التاليتين:


  1. عدم التطابق في التوقعات : يعتقد الكثير من الناس أن الروبوت قادر على أداء مهام معقدة مثل البشر. في الواقع ، معظم الروبوتات مصمة لأداء مهمة واحدة أو عدد محدود من المهام. وحتى في أغلب الأحيان، لا تستطيع الروبوتات العمل إلا تحت ظروف معينة و في بيئة عمل مرتبة. حيث نجد أن الروبوت التنظيف يقوم بتنظيف الأرضية فقط، ولا يمكنه مسح النوافذ، و روبوت الخدمة في المطاعم يستطيع توصيل الطلب إلى طاولة ، ولكنه ليست مصمة لوضع الطعام على الطاولة. يمثل عدم التوافق بين قدرات الروبوت والإمكانيات المتوقعة تحدياً كبيراً لمطوري و مسوقي الروبوتات. في بعض الأحيان قد يكون من الصعب على شركات الروبوتات تسويق روبوتاتها الجديدة للعملاء والمستثمرين الذين لديهم معرفة محدودة بالروبوتات. ونتوقع أن نواجه هذا التحدي بشكل أصعب في المستقبل مع التطور السريع للروبوتات و زيادة إستخدامها في العديد من التطبيقات الجديدة.

  2. إلقاء اللوم على الشخص الخاطئ : مع التطور السريع للتكنولوجيا الحديثة، يمكننا أن نرى تأثيراتها على سوق العمل. ورغم أن هناك العديد من العوامل ، سواء اجتماعية أو اقتصادية؛ التي تساهم في ارتفاع معدلات البطالة، يتم التركيز بشكل كبير على تأثير التكنولوجيا. تستخدم العديد من التقارير والأبحاث مصطلح الروبوت للإشارة إلى التكنولوجيا التي تأخذ وظائفنا. بالرغم من أن الكثير من الكتب التي تناقش مشكلة البطالة، تشير إلى أن الاستخدام المتزايد للإنترنت وبرامج الكمبيوتر هو السبب الرئيسي لفقدان الكثير من الوظائف، نجد أن كلمة الروبوت تستخدم في عناوين هذه الكتب. إن الاستخدام المفرط لكلمة روبوت كلما تمت مناقشة مشكلة ارتفاع البطالة، يلقي باللوم على مطوري الروبوت ويتهمهم بالتسبب في المشكلة. حتى أننا نسمع عن مقترح بفرض ضرائب على الروبوتات بسبب دورها في مشكلة البطالة. يجد مطوري الروبوتات دائمًا أنفسهم في وضعية الدفاع و محاولة إثبات أن الروبوتات ليست هي المسبب الرئيسي لمشكلة إرتفاع البطالة.


ونتوقع أن نرى تطوراً هائلاً في تكنولوجيا الروبوتات خلال السنوات القادمة. إن إدخال تكنولوجيا الروبوتات إلى العديد من القطاعت سوف يكون له تأثير كبير على تطور الاقتصاد والمجتمع. لتقليل الآثار السلبية لإستخدام الروبوتات، نحتاج إلى زيادة الوقع و المعرفة بتكنولوجيا الروبوت. الروبوتات ليست كما تراها في أفلام الخيال العلمي ، بل هي أجهزة مصممة للقيام بمهمة محددة تحت إشراف الإنسان. إذا استخدمناها بشكل صحيح، يمكننا تحسين كفاءة الأعمال و زيادة الإنتاجية.

١٨ مشاهدة٠ تعليق

Comments


bottom of page