من الملاحظ للعيان إرتفاع نسبة البطالة في العديد من الدول، و حتى الكثيرين ممن تمكنوا من إجاد فرصة العمل لا يحصلون على أجر كافي يفي بمتطلبات الحياة. التطور السريع في تكنولوجيا الإتصالات و تأثير العولمة ساعد بشكل كبير على نقل الكثير من الوظائف و الأعمال من دول إلى أخرى، كما حدث في حالة إنتقال الكثير من شركات الإستشارات القانونية من الولايات المتحدة إلى الهند، و إنتقال العديد من الصناعات من أوروبا إلى شرق آسيا. و مع التطور السريع في تكنولوجيا الروبوتات و الذكاء الإصطناعي من التوقع إختفاء نصف الوظائف الموجودة الْيَوْمَ خلال ٢٥ سنة، مما سوف يشكل تحدياً للأجيال القادمة في إيجاد فرص عمل.
تعاني بعض البلدان من نسب البطالة مرتفعة، هنالك الكثير من المسببات كالإضطرابات السياسية و الحروب الأهلية التي تؤدي إلى تدهور الإقتصاد و عمليات النزوح وهي عوامل تزيد من نسبة البطالة بشكل كبير. قد يشكل هذا تحدياً للأجيال القادمة نظراً للتطور التكنوجي السريع الذي من المتوقع أن يقضي على الكثير من الوظائف السائدة الْيَوْمَ. لا نستطيع أن نغفل الكثير من مسبيبات هذا الوضع سواءً أكانت إقتصادية أو سياسية أو إجتماعية أو حتى ثقافية، لكن التعليم هو حجر الأساس و هو مفتاح الحل لغالبية المشاكل، فالتعليم الجيد يستطيع تأهيل فرد قادر على تحليل المشاكل و البحث عن حلول عملية و إمكانية تطبيقها، فلا يمكن معالجة هذا الأمر و إصلاح الإقتصاد إلا بإصلاح العملية التعليمة و الإرتقاء بمستوى المدارس و الجامعات.
مشاكل و نقاط ضعف العملية التعلمية
نظام التعليم الحالي في كثير من البلدان يعتمد على نظام التلقين و التراكم المعرفي، بمعنى أن الطلاب يتلقون العلوم من المدرسين طوال المراحل الدراسية. قد لا يواكب هذا النظام متطلبات العصر الحديث، فمع الثورة الهائلة في مجال الإتصالات و نظم المعلومات أصبح من السهل الوصول لأي معلومة بضغطة زر في خلال وقت لا يتعدى ثوان محدودة. و أيضاً قد نلاحظ التركيز الكبير على الإنجازات اللحظية من خلال النجاح في الإمتحانات المدرسية دون الإهتمام بالإنجازات على المدى البعيد.
يمكن تلخيص مشاكل و قصور العملية التعليمة في النقاط التالية:
١- عدم وجود تواصل ما بين المراحل الدراسية، حيث لا يوجد أي إتصال ما بين المرحلتين المدرسية و الجامعية. في مرحلة مدرسة الثانوية لا يتم الإهتمام بالتخطيط للمرحلة الجامعة حيث يتم التركيز على النجاح في إمتحانات الشهادة الثانوية ثم بعد ذلك يتم التفكير في إختيار التخصص الجامعي، مما ينتج عنه إختيار عشوائي للكلية أو التخصص من قبل الطالب مما يؤدي في كثير من الحالات إلى هدر الوقت و الجهد في دراسة مجال لا يتناسب مع مؤهلات و تطلعات الطالب الأكاديمية.
٢- إنعدام الصِّلة بين المرحلة الجامعية و سوق العمل. تعاني الكثير من الدول من الفاقد التربوي و ذلك لعدم وجود دراسات تحدد إحتياجات سوق العمل، حيث تتم الدراسة الجامعية بمعزل عن الحياة العملية يكون التركيز بها على الدراسات النظرية من غير الإهتمام بالجوانب التطبيقية.
٣- التركيز على دراسة العلوم النظرية و عملية حفظ المعلومات من دون الإهتمام بتنمية المهارات و تشجيع الإبداع، حيث لا تجد الأنشطة ثقافية و رياضية و الإجتماعية القدر الكافي من الإهتمام بل قد يتم التعامل معها كبرامج ليس ذات جدوى خلال المرحلة التعليمية.
٤- الإهتمام بالحصول على الدرجات العلمية و الشهادات و الألقاب دون الإلتفات إلى الأثر الناتج من العملية التعليمة، حيث نتج عنه الكثير من حملة الشهادات العليا الذين لا يمتلكون قدراً كافياً من المهارات و المعرفة المطلوبة للحياة الأكاديمية. و من الآثار السالبة لهذا التوجه كثرة المراكز التعليم و المؤسسات ذات الطابع التجاري التي لا تهتم بجودة المحتوى التعليمي، و أيضاً كثرة حالات الغش و العمليات غير الأخلاقية في سبيل الحصول على الدرجات و الشهادات العلمية.
المقترحات لإصلاح العملية التعليمية
إصلاح و تحسين العملية التعليمية يحتاج إلى مجهودات كبيرة من جانب المجتمع و المؤسسات. قد لا يكون من السهل حل الكثير من أوجه القصور في نظام التعليم على المدى القصير لكن يمكن إحداث تغير على المدى البعيد إذا تم أخذ خطوات جادة في سبيل النهوض بمستوى الأجيال القادمة. هذه بعض من المقترحات التي يكمن أن تساعد على النهوض بالتعليم:
١- التحضير بشكل أفضل لإختيار التخصص الجامعي. يتم ذلك خلال المرحلة الثانوية من خلال الإطلاع و جمع المعلومات عن الكليات الجامعية و تفاصيل التخصوصات العلمية، و يستحسن القيام بزيارات للجامعات للتعرف عن قرب على أسلوب الدراسة و إحتياجات كل تخصص من خلال التحدث مع أعضاء هيئة التدريس و الطلاب و الخريجين. قد يكون من المهم أيضاً تقديم النصح و الإرشاد للطلاب داخل المدرسة من قبل المعلمين، و يكون ذلك بدراسة مهارات الطالب و مميزاته و محاولة معرفة أي التخصصات تناسب ميوله و إمكاناته. يجب الإهتمام أكثر لهذه المسألة من بداية دخول الطالب للمرحلة الثانوية و عدم تأجيل الأمر إلى حين الإنتهاء من هذه المرحلة.
٢- زيادة التواصل بين الجامعة و مؤسسات العمل، حيث من المهم أن يتعرف الطلاب أثناء الدراسة الجامعة على إحتياجات سوق العمل من علوم و مهارات. يمكن القيام بذلك عن طريق الزيارات الميدانية للشركات و المؤسسات و كذلك دعوة بعض العاملين و المسؤولين لإلقاء محاضرات عن طبيعة العمل و إحتياجات الوظائف. و أيضاً قد يكون من المهم للطلاب المشاركة في مشاريع و دراسة مشتركة من الشركات و المؤسسات لزيادة الخبرة العملية و المهارات في تطبيق العلوم المدروسة في الجامعة.
٣- الإهتمام بتنمية المهارات و ذلك عن طريق زيادة الإهتمام بالنشاطات و الفعاليات الثقافية و الرياضية و الإجتماعية، حيث أن الكثير من الدراسات ترى تزايداً في مدى أهمية المهارات في الوظائف الحديث مع التطور المستمر في التكنلوجيا و أنظمة العمل. يرى كثير من الخبراء ضرورة الإهتمام بدراسات العلوم الإنسانية و الأدبية لأنها تساعد على تنمية مهارات الفرد في التفكير و تنمي القدرة على الإبداع.
٤- زيادة الإهتمام بدراسة بعض العلوم من التخصصات الأخرى، كأن يهتم الطلاب في كلية الهندسة بدراسة الإقتصاد و إن يتعلم طلاب كلية القانون بعض مهارات البرمجة و الحاسوب. هذا أمر في غاية الأهمية نظراً لزيادة التداخل بين التخصصات في العصر الحالي حيث سوف يكون من المتطلب معرفة بعض العلوم من تخصصات أخرى للقيام ببعض الأعمال. إضافة إلى ذلك سوف يساعد هذا الأمر على مقدرة الفرد على التفكير و إيجاد حلول أكثر كفاءة، حيث أثبتت الكثير من الدراسات أن الأشخاص الذين يعملون في وظائف ليست مرتبطة بتخصصاتهم العلمية لهم المقدر على حل بعض المشاكل بطريقة أكثر فاعلية من من هم في نفس التخصص العلمي المرتبط بالوظيفة.
٥- ضرورة التركيز على الأفعال و ليس الألقاب، بمعنى ليس المهم الحصول على الدرجة العلمية أو الشهادة الأكاديمية لكن الأهم من ذلك مدى الإمكانية لتقديم النفع للمجتمع و مدى تطور تفكير الفرد و رؤيته للأمور بعد الإنتهاء من مرحلة تعلمية.
قد لا تكون علمية إصلاح و تحسن التعليم بالأمر السهل و لكن لو أخذ الأمر على محمل الجد فإن من الممكن إحداث تغير حقيقي على المدى البعيد للأجيال القادمة.
تم مناقشة هذا الموضوع في مساحة حوارية على منصة تويتر
(النقاش يبدأ من الدقيقة 4:30 من بداية وقت المساحة)
Comments