على مدى السنوات القليلة الماضية، نسمع الكثير عن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والروبوتات في العديد من وسائل الإعلام و مواقع التواصل الإجتماعي، حيث تظهر العديد من العناوين الضخمة حول التقدم الهائل في هذا المجال و إستخداماتها الكبيرة في العديد من القطاعات. الكثير من الخبراء و المتخصصين عبروا عن تخوفهم من التهديدات الكبيرة التي يمكن أن يخلقها الذكاء الاصطناعي والروبوتات في المستقبل ، من قبيل التأثير على الوظائف و إحتمالات البطالة الهائلة. ولكن في المقابل ، هناك العديد من التقارير و الأبحاث التي تشير إلى الفرص الهائلة للوظائف والاستثمارات الجديدة التي قد تنشأ نتيجة هذا التطور التكنولوجي السريع.
بالنظر إلى تلك التقارير والمقالات الإخبارية ، نجد أنه يتم ذكر المصطلحين ، الذكاء الاصطناعي والروبوتات ؛ بشكل مترادف في معظم الأوقات و كأنهما مرتبطين ببعضهم البعض ، مما أحدث إرتباكًا للعديد من الأشخاص أدى إلى الخلط بين المصطلحين. حيث أدى إلى تكوين إعتقاد واسع النطاق بأن الذكاء الاصطناعي والروبوتات هما نفس الأشياء ، أو الإعتقاد بأن الروبوتات يجب أن تتضمن نظام ذكاء اصطناعي أو خوارزمية ذكية حتى تستطيع العمل ، أو أن الروبوتات هي أحد أفرع الذكاء الإصطناعي.
لكن في المقابل ، عندما يتم الإشارة إلى الذكاء الاصطناعي في العديد من المقالات والتقارير في وسائل الإعلام ، لا يتم ربطه بتقنية الروبوت ، إنما يتم ذكر تقنية الذكاء الإصطناعي بشكل منفرد. و نظراً لكثرت إستخدامات الذكاء الاصطناعي و وجودها في العديد من التقنيات المستخدمة يوميًا ، مثل تطبيقات الهواتف الذكية ومواقع الإنترنت ؛ فإن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تكاد تكون معروفة جيدًا و مفهمة لدى العديد من الأشخاص. ولكن على الجانب اخر، فإن تقنية الروبوت قد لا تكون واضحة بالنسبة للكثيرين ، بل إن البعض يعتبره جزءاً من تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل تطبيقات الهواتف الذكية.
فلماذا هذه الهيمنة لتكنولوجيا الذكاء الإصطناعي على مجال الروبوتات؟
تعريف المصطلحات:
في البداية علينا توضيح الأمر بتحديد تعريف لمصطلحي الروبوت والذكاء الاصطناعي. إذا حاولنا البحث عن تعريف للروبوت ، سوف نجد العديد من التعريفات لهذا المصطلح ، و لكن دعنا نأخذ التعريف الأكثر شيوعاً و هو أن "الروبوت هو آلة أو جهاز قادر على أداء مهمة محددة بشكل ذاتي". بينما الذكاء الإصطناعي يمكن تعريفه بأنه "برنامج أو نظام كمبيوتر يمكنه أداء مهمة بقدرة عالية تشبه قدرات الإنسان". للتببسيط يمكننا تعريف الروبوت كجهاز ميكانيكي مبرمج والذكاء الإصطناعي كبرنامج فقط.
مجال الروبوتات:
مجال الروبوتات أو الروبوتيكس هو أحد المجالات الهندسية الحديثة ذات التخصصات المتداخلة ، فبرغم من أن العديد من التخصصات العلمية و الهندسية تدخل في تكوين مجال الروبوتات ، إلا إن هناك ثلاثة مجالات رئيسية يقوم على أساسها علم الروبوتات ، و هي:
الهندسة الميكانيكية.
الهندسة الكهربائية و الإلكترونية.
علوم الحاسوب.
على كل من يتخصص في مجال الروبوت أن يكون ملم بأساسيات هذه تخصصات الثلاثة ، وفي العادة يكون الشخص العامل في هذا المجال متخصص بشكل أعمق في تخصصات دقيقة مثل التصميم الميكانيكي ، وتطوير أجهزة الاستشعار ، و البرمجة. لذلك ، عادة ما نجد أن معظم المتخصصين في مجال الروبوتات يكون لديهم خلفية في أحد هذه المجالات الثلاثة قبل التخصص في مجال الروبوت. و حالياً توجد مجالات هندسية حديثة مثل هندسة الميكترونكس و الهندسة الطبية التي هي خليط من المجالات الثلاثة ، فقد أصبح الكثير من المتخصصين في مجال الروبوتات هم من مهندسي الميكترونكس و الهندسة الطبية. في بعض الأحيان ، هناك حالات لأشخاص في مجال الروبوتات لديهم خلفية في تخصص مختلف مثل الفيزياء أو العلوم الاجتماعية أو حتى الهندسة المدنية ، و ذلك لزيادة إستخدام الروبوتات في العديد من القطاعات المختلفة.
تطوير تكنولوجيا الروبوتات:
المقصود من عملية تطوير الروبوتات هي تحسين أداء نظام الروبوتات و إدخالها في مجالات جديدة حيث تستطيع الروبوتات تنفيذ بعض المهام. تتم عمليات التطوير من خلال تصميم آللات جديدة ، أو تطوير أنظمة إستشعار ، أو تطوير خوارزمية و برمجيات متطورة. توجد الكثير من الشركات التي تعمل على تطوير الروبوتات للإستخدام في مختلف القطاعات ، و تركز الشركة عادة على إحدى المهام مثل التصميم الميكانيكي و التصنيع أو تطوير نظم تشغيل.
تعتبر عملية تصميم و تصنيع الروبوتات من العمليات المكلفة مادياً، لذلك نجد القليل من الشركات التي تعمل على تصميم و تصنيع روبوتات. و غالبية هذه الشركات شركات ضخمة مثل شركة كوزاكي و فانوك المصنعة للروبوتات الصناعية. عند إستخدام الروبوتات في التطبيقات العملية، مثل الإستخدام في المصانع ، يتم إضافة و تركيب بعض الأجزاء الإلكترونية، كالمستشعرات و كميرات التصوير، ودمجها إلى منظومة عمل الروبوت حسب متطلبات المهمة. لذلك نجد في العادة نفس ذراع روبوت تستخدم في العديد من أنظمة الروبوت المكونة من أجزاء إلكترونية المختلفة. لهذا السبب يمكننا أن نجد أن عدد العاملين في مجال الروبوت من المتخصصين في الكهرباء والإلكترونيات أكبر بكثير من المتخصصين في المجال الميكانيكي.
تعد عملية برمجة الروبوت وتطوير الخوارزمية أمرًا شائعًا جدًا في تطوير أنظمة الروبوت. حيث نجد دائماً روبوت واحد يتم برمجته بطرق مختلفة لأداء مهام متعددة ، و يرجع هذا لسهولة وانخفاض تكلفة تطوير البرمجيات. إذا قارنا الجهد والتكلفة اللازمة لتطوير برمجة الروبوت ، سوف نجد أنه يمكن إضافة قدر كبير من التطور في أنظمة الروبوت ، مقارنة بمقدار الإضافة في تطوير الجانب الإلكتروني و الميكانيكي. لذلك ، نجد هنالك العدد الأكبر من المتطورين لتكنولوجيا الروبوتات هم من المتخصصين في علوم الكمبيوتر، الذين يعملون على تطوير برمجيات الروبوت. يليهم العاملين على الإلكترونيات بأعداد أقل ، ثم النسبة الأقل لمن يعملون في جزئية الميكانيكية.
صعود تقنية الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها:
خلال العقد الماضي ، بدأنا نشهد تطورات هائلة في تقنيات الذكاء الاصطناعي ، و زيادة إستخداماتها في العديد من التطبيقات و المجالات التقنيات الأخرى. و بطبيعة الحال ، الروبوت هو أحد المجالات التي دخلها الذكاء الاصطناعي ، و نتج عن ذلك إزدياد في عدد الشركات التي تطور برمجيات و خوارزميات الذكاء الاصطناعي لأنظمة الروبوتات. هناك حاجة كبيرة إلى أنظمة روبوتات متطورة قادرة على أداء بعض المهام التي تتطلب تفاعلًا بشريًا أو تعمل في محيطنا حيث كثرة الاشياء المتحركة. وقد ساعدت تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة العديد من الشركات الناشئة على تطوير أنظمة روبوت جديدة تلبي الإحتياجات المطلوبة.
و في السنوات القليلة الماضية ، طغأت أخبار نهوض العديد من شركات الروبوتات الناشئة و تطوير الروبوتات الذكية التي تعتمد على أنظمة الذكاء الاصطناعي، على العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام المختلفة. و قد ألقاء هذا الكم الهائل من الأخبار بظلاله على على تطويرات تكنولوجيا الروبوت. وبما أن معظم القنوات الإعلامية تستهدف الفئة العامة من الناس ، الذين ليسوا على دراية كافية بتكنولوجيا الروبوتات ، قد يتسبب ذلك في سوء الفهم أو الخلط حول العلاقة بين الروبوت والذكاء الاصطناعي والاختلافات بينهما. وقد يكون هذا هو السبب الرئيسي للمعضلة التي يواجهها كثير من الناس في فهمهم للعلاقة بين الروبوتات والذكاء الاصطناعي.
في النهاية ، نريد أن نذكر بأن الروبوتات والذكاء الاصطناعي هما مجالان منفصلان من مجالات التكنولوجيا ، ولكن يوجد مع بعض التقاطعات و التطبيقات المشتركة. و مع زيادة إستخدامات الروبوتات في لبيئة المحيطة بالبشر ، سوف يتطلب ذلك أنظمة روبوتات على درجة عالية من الذكاء للتعامل مع العديد من المهام والسيناريوهات. لذلك ، سيتم إدماج الكثير من أنظمة الذكاء الاصطناعي في أنظمة الروبوت. ولكن يجب علينا أن لا ننسى أهمية تطوير جسم الروبوت التي هي أساس وجود روبوت حقيقي على أرض الواقع.
Commentaires